عمر سليمان يروى "لليوم السابع" تفاصيل محاولة اغتياله بعد خروجه من المخابرات العامة.. ووزير الداخلية لا يعرف شيئاً عن محاولة اغتيالى والجهة الوحيدة التى عرفت نوع سيارتى هى رئاسة الجمهورية
أجرى الحوار خالد صلاح - تصوير عصام الشامى
نقلا عن اليومى.. الجزء الثانى من الحوار..
◄ أبلغت الرئاسة أننى سأتحرك فى سيارة X5 فتعرضت السيارة لإطلاق النار واستشهد سائقها بينما كنت أنا فى سيارة أخرى مصفحة
◄ الكمين انتظرنا عند مستشفى كوبرى القبة ثم تعرضنا لإطلاق نار كثيف بعد أن نجوت من الكمين ولا أعرف من يقف وراء هذه المحاولة
◄ التنحى الشامل جاء بعد اجتماع ثلاثى مع المشير والفريق شفيق وأبلغنا مبارك به تليفونياً فطلب عدم إذاعته إلا بعد وصول أولاده إلى شرم الشيخ
◄ أخشى أن تدخل مصر إلى معسكر العداء مع إسرائيل بعد سيطرة الإخوان على الحكم وتتحول سيناء إلى ساحة لإطلاق الصواريخ ونتورط فى حرب جديدة
◄ يجب تحصين الاستثمار فى مصر بالقانون فمن ناحية المنطق «ما ينفعش أكون مستثمر وآتى لأنفق فلوسى عندك ثم فى الآخر تسجنّى فى غمضة عين»
دخل بنا موضوع تصدير الغاز مباشرة إلى مناطق يعتبرها عمر سليمان مرتبطة عضويا بالأمن القومى المصرى، فحسب وجهة نظره التى أفصح عنها فى الجزء الأول من الحوار، كان الغاز ورقة لتحصين السلام مع إسرائيل، ومنح مصر ميزة نسبية فى العلاقة مع الدولة العبرية، هكذا رأى الرجل، وهكذا تكلم، وفى الجزء الثانى من الحوار اعتبر «سليمان» أن قضايا الأمن القومى لا يجب أن تغيب عن صناع القرار فى مصر فى الفترة المقبلة، وعبّر عن مخاوفه من أن تؤدى بعض السياسات إلى توريط مصر فى صراع مع إسرائيل قد يؤدى إلى نتائج تضر بالأمن القومى للبلاد، وبدا لى أن هذا التصور يهيمن على عقيدة نائب رئيس الجمهورية السابق، وأن معلوماته كرئيس سابق لجهاز المخابرات العامة تقوده إلى هذا النوع من التفكير، وتفرض عليه هذه التصورات.
◄ قلت للسيد عمر سليمان ذلك بوضوح: أنت تبنى تصوراتك السياسية هنا وفق رؤيتك للأمن القومى كرئيس سابق لجهاز المخابرات، فهل تتصور مثلا أن معايير الأمن القومى ستتغير إذا غيرنا معادلة الغاز والعلاقات الاقتصادية مع تل أبيب؟
◄ أنا شخصيا حاليا أخاف من أن إسرائيل تظن أن مصر دخلت إلى صف الأعداء، أى يتعاملون مع سيناء على أنها منطقة ليست آمنة، وأن حماس والإخوان أصدقاء، والدخول والخروج إلى سيناء أصبح خارج السيطرة، ويمكن استخدام الأراضى المصرية لإطلاق صواريخ على سيناء، ومن ثم يمكن أن تفكر إسرائيل أن تعود إلى «الحدود الآمنة».
◄ يعنى إيه حدود آمنة، تقصد إعادة احتلال سيناء؟
◄ يمكن لإسرائيل أن تفكر بهذا المنطق، وأن تجادلنا أمام العالم بأن أمنها فى خطر، وأن المستعمرات الإسرائيلية تتعرض للخطر فى ظل عدم السيطرة على سيناء، وهم يجيدون هذا النوع من بث التصورات للعالم، وتشكيل تكتل دولى ضدنا فى هذه الحالة، وربما بادر جهاز المخابرات المصرية خلال الفترة الماضية إلى الإسراع بعقد الهدنة بين حماس وإسرائيل، حتى لا تدخل البلاد إلى دائرة الخطر فى هذا الظرف الحرج، ونجحت المخابرات المصرية فى التأكيد على أن سيناء ليست تحت سيطرة أحد، وأنه لا توجد قوى فى العالم تستطيع أن تفرض على المصريين قرارا لا يخصهم ولا يتعلق بأمنهم القومى، ولذلك أنا أخاف على مصر من الحسابات الخاطئة فى هذا المجال الذى قد يدفعنا إلى مواجهات غير محسوبة، وفى توقيتات خاطئة، ولو عاد الإسرائيليون فلن يخرجوا مرة أخرى بسهولة، وهناك أثمان باهظة قد ندفعها فى حالة حدوث ذلك.
◄ لكن ملاحظتى الشخصية أن الإخوان المسلمين يديرون هذا الملف بلغة عاقلة فلم يتكلموا بلغة عدائية أو يظهروا تصريحا لأى من قياداتهم يشير إلى إمكانية الدخول فى هذا الفخ، فهناك من بينهم من يفهم فى السياسة ويرتب الأولويات ولا أعتقد- من وجهة نظرى- أن التصعيد ضد إسرائيل على رأس أولوياتهم فى ظل التحديات التى نواجهها سياسيا واقتصاديا وأمنيا فى الداخل، وأنت ربما تلاحظ أنهم يديرون ملف العلاقات مع الولايات المتحدة على نحو تفاوضى ولا تنقطع الاتصالات بين الجماعة وحزب الحرية والعدالة، وبين واشنطن؟
◄ «والله مش دايما» إنما هم يجب أن يتعقلوا، ليس خوفا من إسرائيل ولكن خوفا على السلام، ويجب أن نبذل جهدا فى تنمية سيناء، وأن تبقى حماس تحت السيطرة، والعلاقة بيننا وبين حماس يجب أن تستمر، لكن استمرارها لا يعنى بأى حال أن تكون ضارة بمصالح مصر القومية، أو بأمنها الإقليمى، أو بالسلام الذى يمكننا من بناء مصر على الصعيد الداخلى.
◄ بمناسبة الملف الإقليمى والأمن القومى، كيف تنظر إلى دولة قطر ودورها فى المنطقة، خاصة أننا سمعنا هجوما كبيرا على الدوحة خلال الثورة، وبعد الثورة كذلك، فهل مارست قطر دورا ما فى الشأن الداخلى؟
◄ قطر لديها ثلاثة أهداف رئيسية، الأول أنها تريد أن تصبح دولة عظمى ومؤثرة وكبيرة، ولديها الإمكانيات المادية الكبيرة، وتعرف أن العالم العربى يحتاج إلى أموال، ومعظم التنظيمات تتطلع إلى هذا الدعم القطرى، ومن ثم فنفوذها داخل البلدان العربية ومنظماتها كبير، ومن ثم توجهها كما تريد.
الهدف الثانى أن قطر لديها رؤية بأن الأنظمة العربية يجب أن تتغير وتتبدل، ولابد أن يحدث بها تغيير.
أما الهدف الثالث، فتغريها هذه الإمكانيات بأن تكون هى صاحبة اليد العليا سواء فى الدعم أو الاستثمار أو غيرهما، وهم يريدون أن يحققوا الريادة لأنفسهم، فلديهم أعظم أطباء، وأهم مواقع رياضية، وأهم مولات، وأكبر مراكز دراسات، ولديهم بصمات كبيرة على كثير من البلدان العربية فى هذا المجال، وربما هم يتصورون أن هذه الريادة تجعلهم يحققون مصالح الشعوب فى المنطقة العربية.
◄ لكن الهجوم العلنى والخفى على قطر فى ظروف الثورة كان لافتا للانتباه، هل تعتقد أنت أن قطر لها دور فى هذا الشأن من وجهة نظر معلوماتية؟
◄ قطر قدمت الدعم للكثير من المنظمات، ولكن لا يمكننى أن أقول الآن إن هذا الدور كان منظما على نحو ما، لكن هناك الكثير من الأموال القطرية دخلت إلى مصر.
◄ ألاحظ أنك تتكلم بتحفظ وببعض الحذر، فهل هذا من الصناديق السوداء التى تؤخر فتحها إلى وقت لاحق؟
◄ لن أفتح أى صناديق سوداء، فما لدى من معلومات ليس ملكا لى وحدى، بل هو ملك لمصر ولجهاز المخابرات العامة، وليس من حقى أو من حق أى شخص أن يستخدم هذه المعلومات إلا فيما يحقق المصلحة الوطنية، وتقدير هذه المصلحة فى يد القائمين الآن على حماية أمننا القومى فى هذه المؤسسات، لكن أؤكد لك أنه بعد خمسين عاما من الآن ربما تخرج هذه الأسرار إذا قرر الجهاز الإفراج عن هذه المعلومات، ورأى المجتمع فى هذا الوقت ضرورة الاطلاع على هذا التاريخ، ووقتها سيعرف الناس الكثير من المعلومات الخفية.
◄ أنت قلت إن لديك الكثير من الصناديق السوداء التى يمكن فتحها؟
◄ الحقيقة أننى لم أقل هذا مطلقا، ولم أشر من قريب أو بعيد إلى صناديق سوداء أو أسرار لأحد، لأننى رجل أمن قومى، وأعرف قيمة المعلومات التى تخص بلدى، ونحن كنا نعمل من أجل مصر وليس من أجل أنفسنا، أما هذا الكلام فقد فُسّر على نحو خاطئ، فبعض الناس قالوا عنى إننى الرجل الغامض، وإننى شخصيا صندوق أسود لم يتكلم، وقلت فى الرد على ذلك إن الصندوق الأسود، وأقصد به شخصيتى وأفكارى، سيفتح قريبا، وسأتكلم فى كل شىء عن نفسى حتى يعرفنى الناس عن قرب، ولم أكن أقصد أبدا كشف أسرار أى شخص أو أى جهة، أو الحديث عن التمويلات والمعونات، أو عن الأموال التى دخلت مصر، فكما قلت هذا ليس من سلطة فرد، ولكنها سلطة جهاز المخابرات العامة فيما يحقق مصلحة البلد.
◄ ربما سمعت وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم وهو ينكر تعرضك لمحاولة اغتيال خلال الثورة كما تردد آنذاك، وهذا رجل فى مقام أمنى كبير الآن ولديه الكثير من المعلومات، فهل كانت هناك محاولة بالفعل، وما هى قصتها الحقيقية؟
◄ يجوز أن السيد الوزير ليس لديه معلومات كافية، ولم يكن هو نفسه موجودا آنذاك فى هذا المنصب، بل لم تكن هناك وزارة داخلية أساسا فى ذلك الوقت، وبالتالى لا يعرف على وجه الدقة ماذا جرى.
◄ إذن، ماذا جرى بالتفصيل؟
◄ كنا فى يوم 29 يناير عندما طلب منى الرئيس السابق أن أقبل تعيينى نائبا لرئيس الجمهورية، ورغم أننى قاومت بشدة هذا المطلب، فإننى قبلت فى النهاية لتعقيدات الموقف السياسى والأمنى الداخلى، ووقتها قال لى مبارك «أنا تعبت وإذا كان الناس مش عاوزانى أنا لازم أمشى»، وظنى أنه لو كان قد قال هذه الكلمات فى ذلك التوقيت لما حدث ما حدث، وبالتالى وافقت فى حدود ما فهمته من نواياه حينها، وطلب منى أن أشاركه فى اجتماع فى غرفة عمليات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذهبنا إلى هناك، وتابعنا سويا شرح عمليات الانتشار للقوات المسلحة، ولم يكن لها أى علاقة بالأحداث على الأرض، سواء مظاهرات أو شغب أو غيرهما، وهذه القوات نزلت لتنفيذ هدف واحد هو حماية الأهداف الاستراتيجية والمنشآت الحيوية للبلاد، ولم يكن لها أى تكليف آخر، وذهبنا إلى هناك، وشرح لنا القادة عمليات الانتشار على الخريطة التى كانت اكتملت بنسبة %70 تقريبا واستمعنا لاستغاثات المواطنين، وفى هذه الأثناء طلب الرئيس استدعاء حبيب العادلى.
◄ أين كان حبيب العادلى حينها؟
◄ العادلى كان محاصرا فى مبنى وزارة الداخلية فى هذا اليوم، وكان شاقا عليه الخروج من مبنى الوزارة، وجرى إرسال سيارة مدرعة لإخراجه، ثم خرج إلى مدينة نصر ولم يأت مباشرة إلينا، وأثناء ذلك ترك الرئيس المقر وانتظرت أنا حبيب العادلى حتى وصل، واجتمعنا سويا واستمعت منه إلى كل ما جرى، وفهمت بعض التفاصيل عن وضع الأمن.
◄ ما أهم ما قاله العادلى فى هذا اللقاء؟
◄ أهم ما فهمته أن مصر أصبحت بدون شرطة نهائيا.
◄ نحن نعرف أن العادلى هو الذى سحب الشرطة من الشوارع لإحداث فراغ أمنى كامل فى البلاد؟
◄ أنا سألته وقتها بشكل مباشر، هل أنت أعطيت أوامر بسحب القوات؟، فأكد لى أن هذا لم يحدث، وأن بطاريات الاتصالات انقطعت مع القوات نتيجة بقائهم فى الشارع لفترات طويلة دون قدرة على التواصل مع مركز العمليات، كما أن الوزارة لم تستطع أن تحمل إليهم أى مؤن أو تساعدهم فى أماكن تمركزهم، ومن ثم إنسانيا كان العساكر قد وصلوا إلى مرحلة الانهيار الكامل، وفقدت الوزارة السيطرة على كل شىء، وبعد حوارى مع العادلى تكلمت إلى مبارك وقلت له «يا فندم اعتبر أنه ليس لدينا شرطة» وشرحت له ما قاله العادلى فى هذا الاجتماع.
◄ وماذا فعل مبارك بعد أن أبلغته بذلك؟
◄ هو بالأساس كان قد بدأ فى تشكيل حكومة جديدة بعد تعيين الفريق شفيق، لإعادة ترتيب الأوضاع وإنقاذ البلد من هذا الوضع.
◄ ومحاولة الاغتيال أين يأتى ترتيبها بين هذه الأحداث؟
◄ أنا ذهبت إلى مكتبى فى جهاز المخابرات لأجمع الأوراق من مكتبى وأذهب إلى مكتبى فى رئاسة الجمهورية كنائب للرئيس، وخلال ذلك اتصل بى سكرتير الرئيس، وقال لى إن الرئيس يريدنى على نحو عاجل، ومن ثم سارعت إلى ترك المكتب والتحرك إلى مقر الرئاسة، وسألونى وقتها عن السيارة التى سأركبها إلى مقر الرئاسة فقلت لهم إننى سأركب السيارة الـX5 وليس سيارة الجهاز المصفحة.
◄ هل من الطبيعى أن تُسأل عن نوع السيارة، يعنى هل هذا موقف عادى أم أنك تتشكك فى شىء؟
◄ السؤال كان للإبلاغ عن سيارتى لأمن الرئاسة، ولاحظ أننى أروى ما جرى، ولكن لا أشير بأى اتهام لأى شخص، أقول لك ما حدث بالترتيب.
◄ تمام.. إذن ماذا حدث لاحقا؟
◄ أنا كان لى عمر مكتوب، لأننى كنت أنوى ركوب هذه السيارة، وليس السيارة المصفحة، وهى ملك الجهاز، وكنت أنوى أن أتركها فى الجهاز ثم أذهب للرئاسة، وأتنقل فى سيارات الرئاسة بعد ذلك، ولكن عندما نزلت من المكتب كانت السيارة الــX5 تقف فى الناحية الأخرى من مبنى المكتب، فركبت فى السيارة المصفحة بدلا من انتظار السيارة الثانية حتى تصل إلى المكان الذى أقف فيه، وبالفعل تحركنا من مقر الجهاز، وأذكرك بأن البلاغ لديهم أننى كنت سأركب السيارة الــX5، وعندما وصلنا عند مستشفى كوبرى القبة فى الملف فوجئت بإطلاق النار على السيارة الــX5، واستشهد وقتها السائق، وهو موظف أمن مسلح ومحترف، وأصيب موظف الآمن الآخر الذى كان يجلس بجانبه، وهنا اشتبك الحرس الذى كان يسير خلف السيارة المصفحة مع مطلقى النار، وهرب الجناة من موقف الحادث، ثم خرج الناس من مستشفى كوبرى القبة إلى السيارة الــX5 فى محاولة لإنقاذ من فيها، أما السائق فى السيارة المصفحة فقد قطع الطريق مسرعا نحو مقر الرئاسة ليخرج بى من مكان هذا الكمين، وبعد أن تحركنا بسرعة فوجئت بكمين آخر يطلق النار على السيارة المصفحة، لكننا انطلقنا بسرعة كبيرة حتى وصلنا إلى مقر الرئاسة.
◄ هل أبلغت مبارك بما حدث؟
◄ أبلغته طبعا، واستدعى قائد الحرس لإبلاغه، لكن لم تكن هناك داخلية أو قسم شرطة، والدنيا كلها متوقفة، وبالتالى لم يحدث أى تحقيق، ومن الناحية السياسية لم يكن من الصواب أن نعلن عن هذه المحاولة فى هذا التوقيت، والبلد مشتعل على هذا النحو.
◄ إلى من تتوجه شكوكك كرجل مخابرات للمسؤول عن هذه المحاولة؟
◄ نحن لم نفتح تحقيقا من الأساس، فأين هو الخيط الذى سنتحرك وراءه، وأنا لا أشك فى أحد، وكل الاهتمامات واردة ولكن لاتوجد معلومات مؤكدة.
◄ الحقيقة أن هناك علامات استفهام على علاقتك بالقوات المسلحة وبالمشير شخصيا فى هذا التوقيت، فلماذا خرج بيان التنحى الذى تلوته بنفسك من مبنى الأمانة العامة لوزارة الدفاع، هل أُجبرت على ذلك من قبل المجلس العسكرى، وهل كان الرئيس أو أنت شخصيا ترفضان هذا البيان؟
◄ لا.. إطلاقا، لم تكن هناك ترتيبات بهذا المعنى، أنا اتفقت مع الرئيس السابق أن يذهب إلى شرم الشيخ قبل صلاة الجمعة، وعندما اتصلت به وجدته لا يزال فى القاهرة، وقلت له إننا اتفقنا على أن تذهب إلى شرم الشيخ، وبعد مكالمتى تحرك بالفعل إلى هناك، ووقتها كان حجم التدفق نحو مقر الرئاسة يتزايد بشكل كبير، فقررنا أن ننتقل من قصر الاتحادية الرئاسى، ونذهب للعمل من مكان آمن، ثم غيرنا رأينا ودخلنا إلى قيادة الحرس الجمهورى لنتابع مع مركز عمليات القوات المسلحة ما يحدث حتى بعد الساعة الثالثة والنصف، ثم ذهبنا إلى وزارة الدفاع أنا وأحمد شفيق، وقابلنا سيادة المشير هناك لنفكر فى الترتيبات والقرارات الواجب اتخاذها، خاصة بعد تصاعد حجم المتظاهرين والاستنفار فى كل مكان، خاصة بعد البيان الأخير الذى تلاه الرئيس السابق، فقد كان رد الفعل فاشلا، وأدى البيان إلى تسخين الأجواء بطريقة كبيرة، وبدأت الهتافات تنتقل ضدى شخصيا فى الميادين، أى أن تفويضى بالسلطة سقط شعبيا بسبب هذا البيان، وخلال ذلك قال أحمد شفيق إن الرئيس يجب أن يعلن رحيله فورا حتى يهدأ الناس، فسأل سيادة المشير: «من يخبره بذلك؟»، فقلت أنا سأكلمه.
◄ تقصد أن فكرة التنحى الشامل خرجت من هذا الاجتماع الثلاثى؟
◄ نعم، أنا طلبته فى التليفون بعد ذلك، وقلت له أنت تشاهد التليفزيون والأمر ازداد صعوبة، وحتى تفويضى كنائب سقط شرعيا بعد الخطاب، وقلت له إن من الأفضل أن يعلن الرحيل تماما، فلم يُظهر أى معارضة، وقال لى: «شوف مع المشير عايزين تعملوا إيه وأنا موافق»، ففكرنا فى صياغة الموقف ثم طلبته مرة ثانية، وقلت له إنه يجب إعلان تنحيه، فقال: أرسلوا لى التليفزيون وجهزوا لى بيانا وأنا سأقول ما تريدون، فقلت له إننا لسنا لدينا كل هذا الوقت لكى يخرج البيان منه شخصيا، فوافق على أن أجهز البيان وأتلوه على الناس كما حدث.
◄ وافق بلا معارضة نهائيا وبكل بساطة؟
◄ هو من البداية كان يرى أن الأمر يجب أن يكون فى يد القوات المسلحة، لأنها عمود الخيمة فى هذا البلد، وكل ما طلبه منى هو أن أؤجل تلاوة البيان حتى يتحرك أبناؤه من القاهرة نحو شرم الشيخ خوفا عليهم واستجبنا لذلك، فقمت بتسجيل البيان وأرسلناه للتليفزيون، وأمر المشير بعدم إذاعة البيان حتى يصدر هو الأمر شخصيا، حسب ما وعدنا به الرجل، وقد كان.
◄ لماذا رحل هو منفردا وبقيت أسرته، هل كانت عائلته ترفض مغادرة القاهرة ومنزل الرئاسة فى القاهرة؟
◄ زوجته لم تكن تريد الرحيل نهائيا، وقد قاومت كثيرا ذهابه إلى شرم الشيخ، كانت تقول لماذا تريدوننى أن أترك بيتى؟، ولماذا نرحل؟، وماذا فعلنا حتى نرحل؟، وكانت تقاوم هذا الشعور بالرحيل عن الرئاسة، وكانت متمسكة حتى اللحظة الأخيرة.
◄ هل كان نفوذها إلى هذه الدرجة، إلى حد رفضها المثول لقرار الرحيل؟
◄ «كان صعبان عليها الموقف إنسانيا»، ولكننا لو تباطأنا فى اتخاذ هذا القرار، والإسراع فى صدور بيان التنحى، لكان الأمر سينتقل إلى الأسوأ، ولكن ربنا وفقنا فى إنقاذ البلد من أى تصعيد عنيف آخر محتمل.
◄ تصعيد شعبى، أم تصعيد من قبل الحرس الجمهورى، أم أى نوع من التصعيد تقصده هنا؟
◄ نحن كانت أعيننا على إنقاذ البلاد من الفوضى الشاملة، وربما فى هذا التوقيت، لو لم يصدر البيان لحدثت اشتباكات مثل ماسبيرو، ومحمد محمود، إلى آخر هذه الأحداث التى جرت بعد ذلك، ولكن ربنا ستر على مصر.
◄ هل كان الجيش يريد الضغط على مبارك عندما ترك المتظاهرين يتحركون إلى قصر الرئاسة؟، يعنى هل كان الرجل يعاند ثم أجبرته هذه الحشود على ذلك، نحن سمعنا كلاما كهذا من قيادات عسكرية؟
◄ الجيش كان يريد استقرار البلاد أيضا، وكان يرغب فى إنهاء هذا الاحتقان والتصعيد دون دماء، والجيش هنا لم يكن يضغط فى أى اتجاه، لأن هذا لم يكن من عمله أو من أهدافه، كان هدفه فقط حماية المنشآت الحيوية، ومنع أى فوضى شاملة فى البلاد، ولاحظ مثلا أن حظر التجول لم يكن مفعّلا طوال فترة إقراره، والسبب أن الجيش ليس من عمله تنفيذ هذا الحظر، هذا من دور الشرطة، ولذلك ظلت الشوارع والميادين كما هى، ولم يتدخل الجيش فى فرض هذا الحظر على الناس بالقوة.
◄ الرئيس السابق هنا يبدو طيّعا، كما لو أنه لم يكن شاهدا على موقعة الجمل مثلا، أو على عمليات الاعتداء على المتظاهرين فى الميدان؟
◄ أنا أقول شهادتى أمام الله، وأنا قلت أمام المحكمة إنه لم يكن هناك أى أوامر بإطلاق نار على الناس على حسب علمى، وهذا ما أعرفه، ولا يمكن أن أقول إلا ما أعرفه لأننى أراعى الله أولا، أما فى مسألة موقعة الجمل فقد أشرت لك أن بعض الشهود قالوا إن المسألة لم تكن مخططة على هذا النحو المؤسف الذى انتهى إليه، كان البعض يريد الاحتفال بخطاب مبارك الذى أعلن فيه عدم رغبته فى الاستمرار، ومنع ابنه من الترشح، وسيبقى هناك الكثير من التساؤلات، والكثير من الغموض حول هذه الوقائع، وربما يعرف الناس الحقيقة كاملة بعد ذلك.
◄ نحن أمامنا فرصة الآن لمعرفة الحقيقة؟
◄ أنا قدمت لك شهادتى عن هذه الأحداث، بلا حسابات سياسية أو انتخابية، فهدفى هو هذا البلد، والحقيقة هى طريقنا إلى الوصول للاستقرار، ولن أغيّر شهادتى لغاية من غايات الدنيا أبدا، أنا أقول الحقيقة.
◄ الحقيقة أن هذه الشهادة من وجهة نظر مختلفة تماما عما يعتقده الناس، سواء فى موقف الجيش أو فى حقيقة انسحاب الشرطة كما رويت فى قصة العادلى، كما تقدم مشهدا يبدو فيه مبارك سهلا وطيّعا فى الاستجابة لكل ما طلبتموه منه فى مسألة التنحى، هذا يضع تساؤلا كبيرا عن الترتيبات التى قد تتخذها إزاء كل هؤلاء الأشخاص حال وصولك إلى السلطة، فأنت لديك اطلاع مختلف على التفاصيل، وتقدم رؤية من المعسكر الآخر؟
◄ هذه الأمور كلها بين يدى القضاء، ولا يمكن لأى رئيس أن يتدخل فى عمل القضاء، سواء كان عمر سليمان أو غيره، فهل إذا صدر القرار بتبرئة هؤلاء وفق ما لديه من وقائع، وكان هناك رئيس غير عمر سليمان، فهل سيغير هذا الرئيس من قرارات القضاء، فيقينى أن قضاء مصر لن يظلم أحدا، ولن ينطق إلا بالعدل.
◄ هل تتوقع لهم البراءة فى ظل هذه الرواية؟
◄ قضاء مصر هو صاحب الكلمة الأخيرة، ولا يجب أن يعلو سلطان على القضاء، أو أن يتدخل أحد فى عمله.
◄ هل زرت مبارك فى المستشفى خلال الفترة الماضية؟
◄ لا، لم أقابله إلا يوم شهادتى فى المحكمة.
◄ هل أنت من طلبت أن تكون جلسة شهادتك فى المحكمة سرية؟
◄ لم أطلب شيئا، المحكمة هى التى قررت، فهم سألونى فى النيابة وطلبوا منى الشهادة فى المحكمة، وقلت كل شىء فى المحكمة بما يمليه على ضميرى، وقلت إن مبارك لم يصدر أوامر بإطلاق النار، وهذا ما حدث بالفعل.
◄ من الممكن أن يكون هذا الأمر شفويا أو بالتحريض الرئاسى لمعاونيه؟
◄ مبارك كان رجلا حريصا على وجه العموم، ولم يكن ليصدر أبدا قرارا من هذا النوع، وهو يعلم أن كل قيادة فى الدولة مسؤولة عن اختصاصاتها فى ضوء القانون، والقانون يحدد طرق مواجهة المظاهرات على نحو عام، ومن ثم لم يكن هناك مجال من الأساس لصدور قرارات بهذا العنف.
◄ إذن، كيف تفسر هذا العدد الهائل من الشهداء؟
◄ هناك التكتل والحشد والفوضى والعناصر التى اندست فى البلاد، والفوضى تؤدى إلى مثل هذه النتائج، وأتمنى أن تظهر الحقيقة ليأخذ كل من كان سببا فى هذه الكارثة جزاءه وليستريح أهالى الشهداء وليعلموا أن دم أبنائنا لن يذهب هباء ولكن كان ثمنا غاليا لتغيير أوضاع عانى منها الشعب المصرى، سأعطيك مثلا بما جرى فى بورسعيد، هل يمكن أن نحدد بدقة من هؤلاء الذين قتلوا الضحايا فى الاستاد، هذا أمر صعب للغاية فى ظل الأوضاع الفوضوية، وللوصول إلى الجناة يجب أن تكون هناك خيوط للبحث، والحقيقة أن الوضع كله كان مرتبكا، ولا يمكن بسهولة تحديد من فعل هذا، ومن اندس، وهل الذين أخرجوا الناس من السجون مسؤولون عن بعض ما جرى أم لا؟ كلها تساؤلات لا تزال مفتوحة حتى الآن.
◄ ما هى ملامح مشروع برنامجك الانتخابى فى حال حالفك الحظ ونجحت من الناحية القانونية فى خوض انتخابات الرئاسة المقبلة؟
◄ الأمن هو إحدى أهم الأولويات، والناس فى البلد يجب أن تشعر بأنها آمنة فى بيوتها وفى شوارعها وفى أرضها، وأن نعيد احترامنا للقانون والالتزام به، وإذا نجحنا فى تحقيق هذه الأولوية، فسننجح فى جذب الاستثمارات واستعادة السياحة، ونحن لدينا فرص هائلة فى الاستثمار يمكن استغلالها، وإذا نجحنا فى استعادة الأمن خلال الأشهر الأربعة الأولى، وأن نرفع معنويات رجال الشرطة ونعيد هيكلة هذا الجهاز ليكون فاعلا وقادرا على تنفيذ القانون، ونحارب الإرهاب والجريمة المنظمة بقدرة وبقوة، فسيعود السائح ويعود المستثمر لنتمكن من بناء البلد من جديد، وأعتقد أننا يجب أن نسارع إلى حزمة من القوانين التى تحمى الاستثمار والمستثمرين، فلا يجوز أن أبدل القوانين فجأة، أو تتغير الأوضاع السياسية فيجد المستثمر نفسه فى السجن فى «غمضة عين»، ففى إنجلترا مثلا القوانين تعيش مائة عام، صحيح أن تكلفة الاستثمار باهظة هناك، لكنها مستقرة، والاستقرار هنا يعنى الكثير لتطور البلد وتفوقه ونموه.
◄ هل تحمل هذه الكلمات إشارات إلى القضايا المنظورة الآن فيما يتعلق ببعض رجال الأعمال المتهمين فى ملفات لها علاقة بأراضى الدولة؟
◄ أنا أتكلم عن المنطق بشكل عام دون تخصيص على أحد، أو على قضية، أتكلم عن وجوب إرساء قواعد قانونية تشجع على الاستثمار، ولا تضع المستثمرين فى مهب الرياح، حسب تغير القوانين، أو حسب تغير النظام السياسى أو بالمزاج، المسألة ترتبط بمستقبل مصر اقتصاديا، ومن ثم كيف يمكن أن يأتى المستثمر ويجد أن القواعد المعمول بها على شكل ما تحدده الدولة، ثم بعد تغير الدولة يكتشف أنه مجرم وأن مكانه فى السجن؟، «ما ينفعش أكون مستثمر وآتى لأنفق فلوسى عندك ثم فى الآخر تسجنّى».. هذا ما أقوله من ناحية المنطق، ولذلك ينبغى وضع قوانين محددة تطبق على الجميع بالتساوى ويكون الهدف منها هو حماية الدولة وأموالها من جهة، ثم حماية الاستثمار أيضا من جهة أخرى، لأنه بدون هذه القوانين لن يأتى مستثمر واحد من الخارج، بل ولن يتشجع المستثمرون فى الداخل على إقامة المشروعات، نحن نريد هذا التطور بالقانون، هناك بلاد كثيرة تُمنح فيها الأرض مجانا، ونحن يجب أن نستثمر إمكانياتنا لاستفادة مصر واستفادة المستثمر.
◄ هل قمت بصياغة هذه الأفكار فى برنامج انتخابى متكامل؟
◄ لم أفعل شيئا حتى الآن فى هذا المجال، فأنا لم أكن قد حسمت أمرى من قبل ما إذا كنت سأرشح نفسى أم لا، كما أننى أترقب ما يجرى على الصعيد القانونى والدستورى، وما زلت أضع الخطوط العريضة لهذا العمل سواء على صعيد البرنامج أو على صعيد التحرك بين الناس فى كل المحافظات.
◄ كيف ستموّل حملتك الانتخابية، هل لديك أشخاص أو جهات معينة ستقدم لك الدعم المالى؟
◄ سأفتح حسابا فى البنك الأهلى، والذى يريد التبرع فأهلا وسهلا، وأنا عندى مبلغ صغير سأنفق منه حسب استطاعتى، ولم يتكلم أحد معى من أى جهة، هناك فقط بعض المواطنين فى القرى يدعوننى لترتيب مؤتمرات انتخابية على نفقتهم الخاصة.
◄ هل هناك بلاد عربية تدفع بالفعل فى الانتخابات الرئاسية؟
◄ أنا شخصيا ليست لدى معلومات، لكن الظواهر تقول إن حجم الدعاية المفرط لبعض المرشحين يوحى بأن هذه الأموال ليست أموالهم، فمن أين جاءت؟ الله أعلم.
◄ مَن منافسك الأول فى السباق حسب تقديرك؟
◄ مرشحو التيار الإسلامى هم المنافس الأول.
◄ خيرت الشاطر أم حازم أبوإسماعيل هو من تتوقعه الأول فى هذه المنافسة؟
◄ الاثنان لديهما نفس الفرصة، ولكن هل سيخرج السلفيون عن طاعة حزب النور لتأييد حازم، هذا هو الفيصل، إذا قرر حزب النور تدعيم حازم فستكون فرص حازم وخيرت متساوية، أما إذا خرج السلفيون عن طاعة حزب النور لأى سبب فسيتغير الوضع، وإذا أعلن حزب النور عدم تأييد حازم فسيتغير الأمر أيضا، وستتراجع فرص حازم أبواسماعيل، لكن إذا توحد التيار الإسلامى على مرشح واحد فسيتغير كل شىء.
◄ هل تتوقع أن يتوحد التيار الإسلامى على مرشح واحد؟
◄ أستبعد ذلك لأن بينهم خلافات عميقة فى الرؤية السياسية، وفى التصورات، وفى شكل القيادة أيضا.
◄ هناك أيضا أحمد شفيق أو عمرو موسى وبقية المرشحين، ما الذى تتصوره فى حساباتك لهذه المنافسة؟
◄ أنا أخوض الانتخابات بقوة دفع شعبية، وأعتبر نفسى الوحيد الذى أخوض الانتخابات بناء على مطلب شعبى، ولكن «مش هزعل» لو أحمد شفيق أو عمرو موسى فاز.
◄ هتزعل لو التيار الإسلامى فاز؟
◄ لن أكون سعيدا إلى هذه الدرجة، فأنا أخشى عليهم أيضا لأنهم لم يمارسوا أى نوع من السياسة على أى صعيد من قبل، والأمر يحتاج إلى ترتيبات محلية وإقليمية وعالمية، ونحن كمواطنين سنعانى فى كل شىء، حتى فى الحصول على تأشيرة لدولة عربية أو أوروبية، ثم ما هو التعاون الذى سيقيمونه مع دول العالم، ومع أجهزة العالم، وما هى درجات وعيهم بأهمية التنسيق على الصعيد الدولى، بالتأكيد سنعانى، وأتمنى من الإخوان المسلمين أن يتفهموا هذه الأمور، وألا يتعجلوا حتى تتحرك البلاد إلى الأمام وتعود الاستثمارات، ونتخلص من الصراع الحالى، ونتمكن من العبور بالبلد اقتصاديا وسياسيا.
◄ أبلغت الرئاسة أننى سأتحرك فى سيارة X5 فتعرضت السيارة لإطلاق النار واستشهد سائقها بينما كنت أنا فى سيارة أخرى مصفحة
◄ الكمين انتظرنا عند مستشفى كوبرى القبة ثم تعرضنا لإطلاق نار كثيف بعد أن نجوت من الكمين ولا أعرف من يقف وراء هذه المحاولة
◄ التنحى الشامل جاء بعد اجتماع ثلاثى مع المشير والفريق شفيق وأبلغنا مبارك به تليفونياً فطلب عدم إذاعته إلا بعد وصول أولاده إلى شرم الشيخ
◄ أخشى أن تدخل مصر إلى معسكر العداء مع إسرائيل بعد سيطرة الإخوان على الحكم وتتحول سيناء إلى ساحة لإطلاق الصواريخ ونتورط فى حرب جديدة
◄ يجب تحصين الاستثمار فى مصر بالقانون فمن ناحية المنطق «ما ينفعش أكون مستثمر وآتى لأنفق فلوسى عندك ثم فى الآخر تسجنّى فى غمضة عين»
دخل بنا موضوع تصدير الغاز مباشرة إلى مناطق يعتبرها عمر سليمان مرتبطة عضويا بالأمن القومى المصرى، فحسب وجهة نظره التى أفصح عنها فى الجزء الأول من الحوار، كان الغاز ورقة لتحصين السلام مع إسرائيل، ومنح مصر ميزة نسبية فى العلاقة مع الدولة العبرية، هكذا رأى الرجل، وهكذا تكلم، وفى الجزء الثانى من الحوار اعتبر «سليمان» أن قضايا الأمن القومى لا يجب أن تغيب عن صناع القرار فى مصر فى الفترة المقبلة، وعبّر عن مخاوفه من أن تؤدى بعض السياسات إلى توريط مصر فى صراع مع إسرائيل قد يؤدى إلى نتائج تضر بالأمن القومى للبلاد، وبدا لى أن هذا التصور يهيمن على عقيدة نائب رئيس الجمهورية السابق، وأن معلوماته كرئيس سابق لجهاز المخابرات العامة تقوده إلى هذا النوع من التفكير، وتفرض عليه هذه التصورات.
◄ قلت للسيد عمر سليمان ذلك بوضوح: أنت تبنى تصوراتك السياسية هنا وفق رؤيتك للأمن القومى كرئيس سابق لجهاز المخابرات، فهل تتصور مثلا أن معايير الأمن القومى ستتغير إذا غيرنا معادلة الغاز والعلاقات الاقتصادية مع تل أبيب؟
◄ أنا شخصيا حاليا أخاف من أن إسرائيل تظن أن مصر دخلت إلى صف الأعداء، أى يتعاملون مع سيناء على أنها منطقة ليست آمنة، وأن حماس والإخوان أصدقاء، والدخول والخروج إلى سيناء أصبح خارج السيطرة، ويمكن استخدام الأراضى المصرية لإطلاق صواريخ على سيناء، ومن ثم يمكن أن تفكر إسرائيل أن تعود إلى «الحدود الآمنة».
◄ يعنى إيه حدود آمنة، تقصد إعادة احتلال سيناء؟
◄ يمكن لإسرائيل أن تفكر بهذا المنطق، وأن تجادلنا أمام العالم بأن أمنها فى خطر، وأن المستعمرات الإسرائيلية تتعرض للخطر فى ظل عدم السيطرة على سيناء، وهم يجيدون هذا النوع من بث التصورات للعالم، وتشكيل تكتل دولى ضدنا فى هذه الحالة، وربما بادر جهاز المخابرات المصرية خلال الفترة الماضية إلى الإسراع بعقد الهدنة بين حماس وإسرائيل، حتى لا تدخل البلاد إلى دائرة الخطر فى هذا الظرف الحرج، ونجحت المخابرات المصرية فى التأكيد على أن سيناء ليست تحت سيطرة أحد، وأنه لا توجد قوى فى العالم تستطيع أن تفرض على المصريين قرارا لا يخصهم ولا يتعلق بأمنهم القومى، ولذلك أنا أخاف على مصر من الحسابات الخاطئة فى هذا المجال الذى قد يدفعنا إلى مواجهات غير محسوبة، وفى توقيتات خاطئة، ولو عاد الإسرائيليون فلن يخرجوا مرة أخرى بسهولة، وهناك أثمان باهظة قد ندفعها فى حالة حدوث ذلك.
◄ لكن ملاحظتى الشخصية أن الإخوان المسلمين يديرون هذا الملف بلغة عاقلة فلم يتكلموا بلغة عدائية أو يظهروا تصريحا لأى من قياداتهم يشير إلى إمكانية الدخول فى هذا الفخ، فهناك من بينهم من يفهم فى السياسة ويرتب الأولويات ولا أعتقد- من وجهة نظرى- أن التصعيد ضد إسرائيل على رأس أولوياتهم فى ظل التحديات التى نواجهها سياسيا واقتصاديا وأمنيا فى الداخل، وأنت ربما تلاحظ أنهم يديرون ملف العلاقات مع الولايات المتحدة على نحو تفاوضى ولا تنقطع الاتصالات بين الجماعة وحزب الحرية والعدالة، وبين واشنطن؟
◄ «والله مش دايما» إنما هم يجب أن يتعقلوا، ليس خوفا من إسرائيل ولكن خوفا على السلام، ويجب أن نبذل جهدا فى تنمية سيناء، وأن تبقى حماس تحت السيطرة، والعلاقة بيننا وبين حماس يجب أن تستمر، لكن استمرارها لا يعنى بأى حال أن تكون ضارة بمصالح مصر القومية، أو بأمنها الإقليمى، أو بالسلام الذى يمكننا من بناء مصر على الصعيد الداخلى.
◄ بمناسبة الملف الإقليمى والأمن القومى، كيف تنظر إلى دولة قطر ودورها فى المنطقة، خاصة أننا سمعنا هجوما كبيرا على الدوحة خلال الثورة، وبعد الثورة كذلك، فهل مارست قطر دورا ما فى الشأن الداخلى؟
◄ قطر لديها ثلاثة أهداف رئيسية، الأول أنها تريد أن تصبح دولة عظمى ومؤثرة وكبيرة، ولديها الإمكانيات المادية الكبيرة، وتعرف أن العالم العربى يحتاج إلى أموال، ومعظم التنظيمات تتطلع إلى هذا الدعم القطرى، ومن ثم فنفوذها داخل البلدان العربية ومنظماتها كبير، ومن ثم توجهها كما تريد.
الهدف الثانى أن قطر لديها رؤية بأن الأنظمة العربية يجب أن تتغير وتتبدل، ولابد أن يحدث بها تغيير.
أما الهدف الثالث، فتغريها هذه الإمكانيات بأن تكون هى صاحبة اليد العليا سواء فى الدعم أو الاستثمار أو غيرهما، وهم يريدون أن يحققوا الريادة لأنفسهم، فلديهم أعظم أطباء، وأهم مواقع رياضية، وأهم مولات، وأكبر مراكز دراسات، ولديهم بصمات كبيرة على كثير من البلدان العربية فى هذا المجال، وربما هم يتصورون أن هذه الريادة تجعلهم يحققون مصالح الشعوب فى المنطقة العربية.
◄ لكن الهجوم العلنى والخفى على قطر فى ظروف الثورة كان لافتا للانتباه، هل تعتقد أنت أن قطر لها دور فى هذا الشأن من وجهة نظر معلوماتية؟
◄ قطر قدمت الدعم للكثير من المنظمات، ولكن لا يمكننى أن أقول الآن إن هذا الدور كان منظما على نحو ما، لكن هناك الكثير من الأموال القطرية دخلت إلى مصر.
◄ ألاحظ أنك تتكلم بتحفظ وببعض الحذر، فهل هذا من الصناديق السوداء التى تؤخر فتحها إلى وقت لاحق؟
◄ لن أفتح أى صناديق سوداء، فما لدى من معلومات ليس ملكا لى وحدى، بل هو ملك لمصر ولجهاز المخابرات العامة، وليس من حقى أو من حق أى شخص أن يستخدم هذه المعلومات إلا فيما يحقق المصلحة الوطنية، وتقدير هذه المصلحة فى يد القائمين الآن على حماية أمننا القومى فى هذه المؤسسات، لكن أؤكد لك أنه بعد خمسين عاما من الآن ربما تخرج هذه الأسرار إذا قرر الجهاز الإفراج عن هذه المعلومات، ورأى المجتمع فى هذا الوقت ضرورة الاطلاع على هذا التاريخ، ووقتها سيعرف الناس الكثير من المعلومات الخفية.
◄ أنت قلت إن لديك الكثير من الصناديق السوداء التى يمكن فتحها؟
◄ الحقيقة أننى لم أقل هذا مطلقا، ولم أشر من قريب أو بعيد إلى صناديق سوداء أو أسرار لأحد، لأننى رجل أمن قومى، وأعرف قيمة المعلومات التى تخص بلدى، ونحن كنا نعمل من أجل مصر وليس من أجل أنفسنا، أما هذا الكلام فقد فُسّر على نحو خاطئ، فبعض الناس قالوا عنى إننى الرجل الغامض، وإننى شخصيا صندوق أسود لم يتكلم، وقلت فى الرد على ذلك إن الصندوق الأسود، وأقصد به شخصيتى وأفكارى، سيفتح قريبا، وسأتكلم فى كل شىء عن نفسى حتى يعرفنى الناس عن قرب، ولم أكن أقصد أبدا كشف أسرار أى شخص أو أى جهة، أو الحديث عن التمويلات والمعونات، أو عن الأموال التى دخلت مصر، فكما قلت هذا ليس من سلطة فرد، ولكنها سلطة جهاز المخابرات العامة فيما يحقق مصلحة البلد.
◄ ربما سمعت وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم وهو ينكر تعرضك لمحاولة اغتيال خلال الثورة كما تردد آنذاك، وهذا رجل فى مقام أمنى كبير الآن ولديه الكثير من المعلومات، فهل كانت هناك محاولة بالفعل، وما هى قصتها الحقيقية؟
◄ يجوز أن السيد الوزير ليس لديه معلومات كافية، ولم يكن هو نفسه موجودا آنذاك فى هذا المنصب، بل لم تكن هناك وزارة داخلية أساسا فى ذلك الوقت، وبالتالى لا يعرف على وجه الدقة ماذا جرى.
◄ إذن، ماذا جرى بالتفصيل؟
◄ كنا فى يوم 29 يناير عندما طلب منى الرئيس السابق أن أقبل تعيينى نائبا لرئيس الجمهورية، ورغم أننى قاومت بشدة هذا المطلب، فإننى قبلت فى النهاية لتعقيدات الموقف السياسى والأمنى الداخلى، ووقتها قال لى مبارك «أنا تعبت وإذا كان الناس مش عاوزانى أنا لازم أمشى»، وظنى أنه لو كان قد قال هذه الكلمات فى ذلك التوقيت لما حدث ما حدث، وبالتالى وافقت فى حدود ما فهمته من نواياه حينها، وطلب منى أن أشاركه فى اجتماع فى غرفة عمليات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذهبنا إلى هناك، وتابعنا سويا شرح عمليات الانتشار للقوات المسلحة، ولم يكن لها أى علاقة بالأحداث على الأرض، سواء مظاهرات أو شغب أو غيرهما، وهذه القوات نزلت لتنفيذ هدف واحد هو حماية الأهداف الاستراتيجية والمنشآت الحيوية للبلاد، ولم يكن لها أى تكليف آخر، وذهبنا إلى هناك، وشرح لنا القادة عمليات الانتشار على الخريطة التى كانت اكتملت بنسبة %70 تقريبا واستمعنا لاستغاثات المواطنين، وفى هذه الأثناء طلب الرئيس استدعاء حبيب العادلى.
◄ أين كان حبيب العادلى حينها؟
◄ العادلى كان محاصرا فى مبنى وزارة الداخلية فى هذا اليوم، وكان شاقا عليه الخروج من مبنى الوزارة، وجرى إرسال سيارة مدرعة لإخراجه، ثم خرج إلى مدينة نصر ولم يأت مباشرة إلينا، وأثناء ذلك ترك الرئيس المقر وانتظرت أنا حبيب العادلى حتى وصل، واجتمعنا سويا واستمعت منه إلى كل ما جرى، وفهمت بعض التفاصيل عن وضع الأمن.
◄ ما أهم ما قاله العادلى فى هذا اللقاء؟
◄ أهم ما فهمته أن مصر أصبحت بدون شرطة نهائيا.
◄ نحن نعرف أن العادلى هو الذى سحب الشرطة من الشوارع لإحداث فراغ أمنى كامل فى البلاد؟
◄ أنا سألته وقتها بشكل مباشر، هل أنت أعطيت أوامر بسحب القوات؟، فأكد لى أن هذا لم يحدث، وأن بطاريات الاتصالات انقطعت مع القوات نتيجة بقائهم فى الشارع لفترات طويلة دون قدرة على التواصل مع مركز العمليات، كما أن الوزارة لم تستطع أن تحمل إليهم أى مؤن أو تساعدهم فى أماكن تمركزهم، ومن ثم إنسانيا كان العساكر قد وصلوا إلى مرحلة الانهيار الكامل، وفقدت الوزارة السيطرة على كل شىء، وبعد حوارى مع العادلى تكلمت إلى مبارك وقلت له «يا فندم اعتبر أنه ليس لدينا شرطة» وشرحت له ما قاله العادلى فى هذا الاجتماع.
◄ وماذا فعل مبارك بعد أن أبلغته بذلك؟
◄ هو بالأساس كان قد بدأ فى تشكيل حكومة جديدة بعد تعيين الفريق شفيق، لإعادة ترتيب الأوضاع وإنقاذ البلد من هذا الوضع.
◄ ومحاولة الاغتيال أين يأتى ترتيبها بين هذه الأحداث؟
◄ أنا ذهبت إلى مكتبى فى جهاز المخابرات لأجمع الأوراق من مكتبى وأذهب إلى مكتبى فى رئاسة الجمهورية كنائب للرئيس، وخلال ذلك اتصل بى سكرتير الرئيس، وقال لى إن الرئيس يريدنى على نحو عاجل، ومن ثم سارعت إلى ترك المكتب والتحرك إلى مقر الرئاسة، وسألونى وقتها عن السيارة التى سأركبها إلى مقر الرئاسة فقلت لهم إننى سأركب السيارة الـX5 وليس سيارة الجهاز المصفحة.
◄ هل من الطبيعى أن تُسأل عن نوع السيارة، يعنى هل هذا موقف عادى أم أنك تتشكك فى شىء؟
◄ السؤال كان للإبلاغ عن سيارتى لأمن الرئاسة، ولاحظ أننى أروى ما جرى، ولكن لا أشير بأى اتهام لأى شخص، أقول لك ما حدث بالترتيب.
◄ تمام.. إذن ماذا حدث لاحقا؟
◄ أنا كان لى عمر مكتوب، لأننى كنت أنوى ركوب هذه السيارة، وليس السيارة المصفحة، وهى ملك الجهاز، وكنت أنوى أن أتركها فى الجهاز ثم أذهب للرئاسة، وأتنقل فى سيارات الرئاسة بعد ذلك، ولكن عندما نزلت من المكتب كانت السيارة الــX5 تقف فى الناحية الأخرى من مبنى المكتب، فركبت فى السيارة المصفحة بدلا من انتظار السيارة الثانية حتى تصل إلى المكان الذى أقف فيه، وبالفعل تحركنا من مقر الجهاز، وأذكرك بأن البلاغ لديهم أننى كنت سأركب السيارة الــX5، وعندما وصلنا عند مستشفى كوبرى القبة فى الملف فوجئت بإطلاق النار على السيارة الــX5، واستشهد وقتها السائق، وهو موظف أمن مسلح ومحترف، وأصيب موظف الآمن الآخر الذى كان يجلس بجانبه، وهنا اشتبك الحرس الذى كان يسير خلف السيارة المصفحة مع مطلقى النار، وهرب الجناة من موقف الحادث، ثم خرج الناس من مستشفى كوبرى القبة إلى السيارة الــX5 فى محاولة لإنقاذ من فيها، أما السائق فى السيارة المصفحة فقد قطع الطريق مسرعا نحو مقر الرئاسة ليخرج بى من مكان هذا الكمين، وبعد أن تحركنا بسرعة فوجئت بكمين آخر يطلق النار على السيارة المصفحة، لكننا انطلقنا بسرعة كبيرة حتى وصلنا إلى مقر الرئاسة.
◄ هل أبلغت مبارك بما حدث؟
◄ أبلغته طبعا، واستدعى قائد الحرس لإبلاغه، لكن لم تكن هناك داخلية أو قسم شرطة، والدنيا كلها متوقفة، وبالتالى لم يحدث أى تحقيق، ومن الناحية السياسية لم يكن من الصواب أن نعلن عن هذه المحاولة فى هذا التوقيت، والبلد مشتعل على هذا النحو.
◄ إلى من تتوجه شكوكك كرجل مخابرات للمسؤول عن هذه المحاولة؟
◄ نحن لم نفتح تحقيقا من الأساس، فأين هو الخيط الذى سنتحرك وراءه، وأنا لا أشك فى أحد، وكل الاهتمامات واردة ولكن لاتوجد معلومات مؤكدة.
◄ الحقيقة أن هناك علامات استفهام على علاقتك بالقوات المسلحة وبالمشير شخصيا فى هذا التوقيت، فلماذا خرج بيان التنحى الذى تلوته بنفسك من مبنى الأمانة العامة لوزارة الدفاع، هل أُجبرت على ذلك من قبل المجلس العسكرى، وهل كان الرئيس أو أنت شخصيا ترفضان هذا البيان؟
◄ لا.. إطلاقا، لم تكن هناك ترتيبات بهذا المعنى، أنا اتفقت مع الرئيس السابق أن يذهب إلى شرم الشيخ قبل صلاة الجمعة، وعندما اتصلت به وجدته لا يزال فى القاهرة، وقلت له إننا اتفقنا على أن تذهب إلى شرم الشيخ، وبعد مكالمتى تحرك بالفعل إلى هناك، ووقتها كان حجم التدفق نحو مقر الرئاسة يتزايد بشكل كبير، فقررنا أن ننتقل من قصر الاتحادية الرئاسى، ونذهب للعمل من مكان آمن، ثم غيرنا رأينا ودخلنا إلى قيادة الحرس الجمهورى لنتابع مع مركز عمليات القوات المسلحة ما يحدث حتى بعد الساعة الثالثة والنصف، ثم ذهبنا إلى وزارة الدفاع أنا وأحمد شفيق، وقابلنا سيادة المشير هناك لنفكر فى الترتيبات والقرارات الواجب اتخاذها، خاصة بعد تصاعد حجم المتظاهرين والاستنفار فى كل مكان، خاصة بعد البيان الأخير الذى تلاه الرئيس السابق، فقد كان رد الفعل فاشلا، وأدى البيان إلى تسخين الأجواء بطريقة كبيرة، وبدأت الهتافات تنتقل ضدى شخصيا فى الميادين، أى أن تفويضى بالسلطة سقط شعبيا بسبب هذا البيان، وخلال ذلك قال أحمد شفيق إن الرئيس يجب أن يعلن رحيله فورا حتى يهدأ الناس، فسأل سيادة المشير: «من يخبره بذلك؟»، فقلت أنا سأكلمه.
◄ تقصد أن فكرة التنحى الشامل خرجت من هذا الاجتماع الثلاثى؟
◄ نعم، أنا طلبته فى التليفون بعد ذلك، وقلت له أنت تشاهد التليفزيون والأمر ازداد صعوبة، وحتى تفويضى كنائب سقط شرعيا بعد الخطاب، وقلت له إن من الأفضل أن يعلن الرحيل تماما، فلم يُظهر أى معارضة، وقال لى: «شوف مع المشير عايزين تعملوا إيه وأنا موافق»، ففكرنا فى صياغة الموقف ثم طلبته مرة ثانية، وقلت له إنه يجب إعلان تنحيه، فقال: أرسلوا لى التليفزيون وجهزوا لى بيانا وأنا سأقول ما تريدون، فقلت له إننا لسنا لدينا كل هذا الوقت لكى يخرج البيان منه شخصيا، فوافق على أن أجهز البيان وأتلوه على الناس كما حدث.
◄ وافق بلا معارضة نهائيا وبكل بساطة؟
◄ هو من البداية كان يرى أن الأمر يجب أن يكون فى يد القوات المسلحة، لأنها عمود الخيمة فى هذا البلد، وكل ما طلبه منى هو أن أؤجل تلاوة البيان حتى يتحرك أبناؤه من القاهرة نحو شرم الشيخ خوفا عليهم واستجبنا لذلك، فقمت بتسجيل البيان وأرسلناه للتليفزيون، وأمر المشير بعدم إذاعة البيان حتى يصدر هو الأمر شخصيا، حسب ما وعدنا به الرجل، وقد كان.
◄ لماذا رحل هو منفردا وبقيت أسرته، هل كانت عائلته ترفض مغادرة القاهرة ومنزل الرئاسة فى القاهرة؟
◄ زوجته لم تكن تريد الرحيل نهائيا، وقد قاومت كثيرا ذهابه إلى شرم الشيخ، كانت تقول لماذا تريدوننى أن أترك بيتى؟، ولماذا نرحل؟، وماذا فعلنا حتى نرحل؟، وكانت تقاوم هذا الشعور بالرحيل عن الرئاسة، وكانت متمسكة حتى اللحظة الأخيرة.
◄ هل كان نفوذها إلى هذه الدرجة، إلى حد رفضها المثول لقرار الرحيل؟
◄ «كان صعبان عليها الموقف إنسانيا»، ولكننا لو تباطأنا فى اتخاذ هذا القرار، والإسراع فى صدور بيان التنحى، لكان الأمر سينتقل إلى الأسوأ، ولكن ربنا وفقنا فى إنقاذ البلد من أى تصعيد عنيف آخر محتمل.
◄ تصعيد شعبى، أم تصعيد من قبل الحرس الجمهورى، أم أى نوع من التصعيد تقصده هنا؟
◄ نحن كانت أعيننا على إنقاذ البلاد من الفوضى الشاملة، وربما فى هذا التوقيت، لو لم يصدر البيان لحدثت اشتباكات مثل ماسبيرو، ومحمد محمود، إلى آخر هذه الأحداث التى جرت بعد ذلك، ولكن ربنا ستر على مصر.
◄ هل كان الجيش يريد الضغط على مبارك عندما ترك المتظاهرين يتحركون إلى قصر الرئاسة؟، يعنى هل كان الرجل يعاند ثم أجبرته هذه الحشود على ذلك، نحن سمعنا كلاما كهذا من قيادات عسكرية؟
◄ الجيش كان يريد استقرار البلاد أيضا، وكان يرغب فى إنهاء هذا الاحتقان والتصعيد دون دماء، والجيش هنا لم يكن يضغط فى أى اتجاه، لأن هذا لم يكن من عمله أو من أهدافه، كان هدفه فقط حماية المنشآت الحيوية، ومنع أى فوضى شاملة فى البلاد، ولاحظ مثلا أن حظر التجول لم يكن مفعّلا طوال فترة إقراره، والسبب أن الجيش ليس من عمله تنفيذ هذا الحظر، هذا من دور الشرطة، ولذلك ظلت الشوارع والميادين كما هى، ولم يتدخل الجيش فى فرض هذا الحظر على الناس بالقوة.
◄ الرئيس السابق هنا يبدو طيّعا، كما لو أنه لم يكن شاهدا على موقعة الجمل مثلا، أو على عمليات الاعتداء على المتظاهرين فى الميدان؟
◄ أنا أقول شهادتى أمام الله، وأنا قلت أمام المحكمة إنه لم يكن هناك أى أوامر بإطلاق نار على الناس على حسب علمى، وهذا ما أعرفه، ولا يمكن أن أقول إلا ما أعرفه لأننى أراعى الله أولا، أما فى مسألة موقعة الجمل فقد أشرت لك أن بعض الشهود قالوا إن المسألة لم تكن مخططة على هذا النحو المؤسف الذى انتهى إليه، كان البعض يريد الاحتفال بخطاب مبارك الذى أعلن فيه عدم رغبته فى الاستمرار، ومنع ابنه من الترشح، وسيبقى هناك الكثير من التساؤلات، والكثير من الغموض حول هذه الوقائع، وربما يعرف الناس الحقيقة كاملة بعد ذلك.
◄ نحن أمامنا فرصة الآن لمعرفة الحقيقة؟
◄ أنا قدمت لك شهادتى عن هذه الأحداث، بلا حسابات سياسية أو انتخابية، فهدفى هو هذا البلد، والحقيقة هى طريقنا إلى الوصول للاستقرار، ولن أغيّر شهادتى لغاية من غايات الدنيا أبدا، أنا أقول الحقيقة.
◄ الحقيقة أن هذه الشهادة من وجهة نظر مختلفة تماما عما يعتقده الناس، سواء فى موقف الجيش أو فى حقيقة انسحاب الشرطة كما رويت فى قصة العادلى، كما تقدم مشهدا يبدو فيه مبارك سهلا وطيّعا فى الاستجابة لكل ما طلبتموه منه فى مسألة التنحى، هذا يضع تساؤلا كبيرا عن الترتيبات التى قد تتخذها إزاء كل هؤلاء الأشخاص حال وصولك إلى السلطة، فأنت لديك اطلاع مختلف على التفاصيل، وتقدم رؤية من المعسكر الآخر؟
◄ هذه الأمور كلها بين يدى القضاء، ولا يمكن لأى رئيس أن يتدخل فى عمل القضاء، سواء كان عمر سليمان أو غيره، فهل إذا صدر القرار بتبرئة هؤلاء وفق ما لديه من وقائع، وكان هناك رئيس غير عمر سليمان، فهل سيغير هذا الرئيس من قرارات القضاء، فيقينى أن قضاء مصر لن يظلم أحدا، ولن ينطق إلا بالعدل.
◄ هل تتوقع لهم البراءة فى ظل هذه الرواية؟
◄ قضاء مصر هو صاحب الكلمة الأخيرة، ولا يجب أن يعلو سلطان على القضاء، أو أن يتدخل أحد فى عمله.
◄ هل زرت مبارك فى المستشفى خلال الفترة الماضية؟
◄ لا، لم أقابله إلا يوم شهادتى فى المحكمة.
◄ هل أنت من طلبت أن تكون جلسة شهادتك فى المحكمة سرية؟
◄ لم أطلب شيئا، المحكمة هى التى قررت، فهم سألونى فى النيابة وطلبوا منى الشهادة فى المحكمة، وقلت كل شىء فى المحكمة بما يمليه على ضميرى، وقلت إن مبارك لم يصدر أوامر بإطلاق النار، وهذا ما حدث بالفعل.
◄ من الممكن أن يكون هذا الأمر شفويا أو بالتحريض الرئاسى لمعاونيه؟
◄ مبارك كان رجلا حريصا على وجه العموم، ولم يكن ليصدر أبدا قرارا من هذا النوع، وهو يعلم أن كل قيادة فى الدولة مسؤولة عن اختصاصاتها فى ضوء القانون، والقانون يحدد طرق مواجهة المظاهرات على نحو عام، ومن ثم لم يكن هناك مجال من الأساس لصدور قرارات بهذا العنف.
◄ إذن، كيف تفسر هذا العدد الهائل من الشهداء؟
◄ هناك التكتل والحشد والفوضى والعناصر التى اندست فى البلاد، والفوضى تؤدى إلى مثل هذه النتائج، وأتمنى أن تظهر الحقيقة ليأخذ كل من كان سببا فى هذه الكارثة جزاءه وليستريح أهالى الشهداء وليعلموا أن دم أبنائنا لن يذهب هباء ولكن كان ثمنا غاليا لتغيير أوضاع عانى منها الشعب المصرى، سأعطيك مثلا بما جرى فى بورسعيد، هل يمكن أن نحدد بدقة من هؤلاء الذين قتلوا الضحايا فى الاستاد، هذا أمر صعب للغاية فى ظل الأوضاع الفوضوية، وللوصول إلى الجناة يجب أن تكون هناك خيوط للبحث، والحقيقة أن الوضع كله كان مرتبكا، ولا يمكن بسهولة تحديد من فعل هذا، ومن اندس، وهل الذين أخرجوا الناس من السجون مسؤولون عن بعض ما جرى أم لا؟ كلها تساؤلات لا تزال مفتوحة حتى الآن.
◄ ما هى ملامح مشروع برنامجك الانتخابى فى حال حالفك الحظ ونجحت من الناحية القانونية فى خوض انتخابات الرئاسة المقبلة؟
◄ الأمن هو إحدى أهم الأولويات، والناس فى البلد يجب أن تشعر بأنها آمنة فى بيوتها وفى شوارعها وفى أرضها، وأن نعيد احترامنا للقانون والالتزام به، وإذا نجحنا فى تحقيق هذه الأولوية، فسننجح فى جذب الاستثمارات واستعادة السياحة، ونحن لدينا فرص هائلة فى الاستثمار يمكن استغلالها، وإذا نجحنا فى استعادة الأمن خلال الأشهر الأربعة الأولى، وأن نرفع معنويات رجال الشرطة ونعيد هيكلة هذا الجهاز ليكون فاعلا وقادرا على تنفيذ القانون، ونحارب الإرهاب والجريمة المنظمة بقدرة وبقوة، فسيعود السائح ويعود المستثمر لنتمكن من بناء البلد من جديد، وأعتقد أننا يجب أن نسارع إلى حزمة من القوانين التى تحمى الاستثمار والمستثمرين، فلا يجوز أن أبدل القوانين فجأة، أو تتغير الأوضاع السياسية فيجد المستثمر نفسه فى السجن فى «غمضة عين»، ففى إنجلترا مثلا القوانين تعيش مائة عام، صحيح أن تكلفة الاستثمار باهظة هناك، لكنها مستقرة، والاستقرار هنا يعنى الكثير لتطور البلد وتفوقه ونموه.
◄ هل تحمل هذه الكلمات إشارات إلى القضايا المنظورة الآن فيما يتعلق ببعض رجال الأعمال المتهمين فى ملفات لها علاقة بأراضى الدولة؟
◄ أنا أتكلم عن المنطق بشكل عام دون تخصيص على أحد، أو على قضية، أتكلم عن وجوب إرساء قواعد قانونية تشجع على الاستثمار، ولا تضع المستثمرين فى مهب الرياح، حسب تغير القوانين، أو حسب تغير النظام السياسى أو بالمزاج، المسألة ترتبط بمستقبل مصر اقتصاديا، ومن ثم كيف يمكن أن يأتى المستثمر ويجد أن القواعد المعمول بها على شكل ما تحدده الدولة، ثم بعد تغير الدولة يكتشف أنه مجرم وأن مكانه فى السجن؟، «ما ينفعش أكون مستثمر وآتى لأنفق فلوسى عندك ثم فى الآخر تسجنّى».. هذا ما أقوله من ناحية المنطق، ولذلك ينبغى وضع قوانين محددة تطبق على الجميع بالتساوى ويكون الهدف منها هو حماية الدولة وأموالها من جهة، ثم حماية الاستثمار أيضا من جهة أخرى، لأنه بدون هذه القوانين لن يأتى مستثمر واحد من الخارج، بل ولن يتشجع المستثمرون فى الداخل على إقامة المشروعات، نحن نريد هذا التطور بالقانون، هناك بلاد كثيرة تُمنح فيها الأرض مجانا، ونحن يجب أن نستثمر إمكانياتنا لاستفادة مصر واستفادة المستثمر.
◄ هل قمت بصياغة هذه الأفكار فى برنامج انتخابى متكامل؟
◄ لم أفعل شيئا حتى الآن فى هذا المجال، فأنا لم أكن قد حسمت أمرى من قبل ما إذا كنت سأرشح نفسى أم لا، كما أننى أترقب ما يجرى على الصعيد القانونى والدستورى، وما زلت أضع الخطوط العريضة لهذا العمل سواء على صعيد البرنامج أو على صعيد التحرك بين الناس فى كل المحافظات.
◄ كيف ستموّل حملتك الانتخابية، هل لديك أشخاص أو جهات معينة ستقدم لك الدعم المالى؟
◄ سأفتح حسابا فى البنك الأهلى، والذى يريد التبرع فأهلا وسهلا، وأنا عندى مبلغ صغير سأنفق منه حسب استطاعتى، ولم يتكلم أحد معى من أى جهة، هناك فقط بعض المواطنين فى القرى يدعوننى لترتيب مؤتمرات انتخابية على نفقتهم الخاصة.
◄ هل هناك بلاد عربية تدفع بالفعل فى الانتخابات الرئاسية؟
◄ أنا شخصيا ليست لدى معلومات، لكن الظواهر تقول إن حجم الدعاية المفرط لبعض المرشحين يوحى بأن هذه الأموال ليست أموالهم، فمن أين جاءت؟ الله أعلم.
◄ مَن منافسك الأول فى السباق حسب تقديرك؟
◄ مرشحو التيار الإسلامى هم المنافس الأول.
◄ خيرت الشاطر أم حازم أبوإسماعيل هو من تتوقعه الأول فى هذه المنافسة؟
◄ الاثنان لديهما نفس الفرصة، ولكن هل سيخرج السلفيون عن طاعة حزب النور لتأييد حازم، هذا هو الفيصل، إذا قرر حزب النور تدعيم حازم فستكون فرص حازم وخيرت متساوية، أما إذا خرج السلفيون عن طاعة حزب النور لأى سبب فسيتغير الوضع، وإذا أعلن حزب النور عدم تأييد حازم فسيتغير الأمر أيضا، وستتراجع فرص حازم أبواسماعيل، لكن إذا توحد التيار الإسلامى على مرشح واحد فسيتغير كل شىء.
◄ هل تتوقع أن يتوحد التيار الإسلامى على مرشح واحد؟
◄ أستبعد ذلك لأن بينهم خلافات عميقة فى الرؤية السياسية، وفى التصورات، وفى شكل القيادة أيضا.
◄ هناك أيضا أحمد شفيق أو عمرو موسى وبقية المرشحين، ما الذى تتصوره فى حساباتك لهذه المنافسة؟
◄ أنا أخوض الانتخابات بقوة دفع شعبية، وأعتبر نفسى الوحيد الذى أخوض الانتخابات بناء على مطلب شعبى، ولكن «مش هزعل» لو أحمد شفيق أو عمرو موسى فاز.
◄ هتزعل لو التيار الإسلامى فاز؟
◄ لن أكون سعيدا إلى هذه الدرجة، فأنا أخشى عليهم أيضا لأنهم لم يمارسوا أى نوع من السياسة على أى صعيد من قبل، والأمر يحتاج إلى ترتيبات محلية وإقليمية وعالمية، ونحن كمواطنين سنعانى فى كل شىء، حتى فى الحصول على تأشيرة لدولة عربية أو أوروبية، ثم ما هو التعاون الذى سيقيمونه مع دول العالم، ومع أجهزة العالم، وما هى درجات وعيهم بأهمية التنسيق على الصعيد الدولى، بالتأكيد سنعانى، وأتمنى من الإخوان المسلمين أن يتفهموا هذه الأمور، وألا يتعجلوا حتى تتحرك البلاد إلى الأمام وتعود الاستثمارات، ونتخلص من الصراع الحالى، ونتمكن من العبور بالبلد اقتصاديا وسياسيا.