Headlines News :
Home » , » العمل الجماعي وفن الخلاف ... بقلم : أمين هويدي

العمل الجماعي وفن الخلاف ... بقلم : أمين هويدي

يتميز أي عمل جماعي بوجود الخلافات بين أعضائه‏,‏ لاستحالة تطابق المصالح القطرية‏,‏ سواء في الأغراض المطلوبة أو في وسائل تطبيقها‏,‏ وهذا ما دعا نابليون بونابرت أن يقول أفضل قتال جبهة من أن أقاتل في جبهة‏,‏ وقد دفعتني الظروف الي أن أواجه ما قاله نابليون حينما كنت وزيرا للدفاع بعد هزيمة‏1967,‏ ألاقي الصعوبات في محاولاتنا تكوين قيادات موحدة أو قيادات مشتركة للقوات المسلحة العربية لمواجهة العدو المشترك‏...‏ بل وشاركت في محاولات عديدة أيام كنا نسعي لتحقيق الوحدة العربية تحت راية وزعامة الرئيس عبدالناصر‏,‏ ورأيت كيف دمرت الخلافات الشخصية والأطماع الذاتية أحلام الجماهير تحت شعارات كاذبة ظاهرها الوطنية وحقيقتها الأطماع الذاتية والمنافسات الفردية التي تضرب عرض الحائط بالمصالح الوطنية والسبب الرئيسي في ذلك أننا نجهل فن الخلافات وهو فن لأنه ليس علما يدرس في الكتب ولكنه يعتمد علي الموهبة في التعامل مع الآخر ومحاولة التوفيق بين ما يريد وبين ما نريد علي طريقة أنصاف الحلول‏,‏ فهذا يأخذ ولكنه يعطي في نفس الوقت‏,‏ وأهم من ذلك تنازل الأعضاء عن جزء من سيادتهم القطرية لصالح الإرادة الجماعية وهذا في حقيقته ليس تقليلا من الإرادة ولكنه إضافة لها‏,‏ فالجماعة أقدر من الفرد علي مواجهة الصعوبات التي زادت في أيامنا الآن وتعقدت‏,‏ بحيث أصبح من الصعب التغلب عليها علي المستويات القطرية ويقتضي العمل علي حلها والتغلب عليها علي المستويات القومية والعالمية‏,‏ فمشكلة مواجهة الإرهاب‏,‏ والتغلب علي الفجوة الغذائية‏,‏ وعلاج مشكلة الطاقة وغيرها‏..‏ لا يمكن حلها علي المستوي القطري وبالجهود الفردية ولكن يتحتم حلها علي المستويات القومية والعالمية وبالجهود الجمعية وتوزيع الأدوار مما يمكن ممارسته بالجهد المشترك الذي تتخلله الخلافات التي يمكن أن تقضي علي نتيجة أي عمل جماعي لو فشل أعضاؤه في التغلب عليها واحتوائها‏,‏ ولذلك فإن نجاح أي عمل جماعي يقاس بقدرة أعضائه علي حل خلافاتهم وتناقضاتهم وهذا هو السبب في استمرار نجاح الوحدة الأوروبية‏,‏ وفي نفس الوقت فإن فشل العرب في الحقيقة أدي الي استحالة العمل الجماعي الذي يعتبر في حقيقة الأمر بمثابة عجلة النجاة بالنسبة لهم في خضم السياسة الدولية‏.‏

والعمل الجماعي في حقيقته هو عمل ائتلافي بين أعضائه‏,‏ سواء كانوا دولا أو أحزابا أو جماعات تختلف مواثيقها ولكنها تتفق في استراتيجيتها الكبري‏,‏ لأنه لايمكن تحقيق هذا الائتلاف اذا اختلفت الاستراتيجيات إلا بجهود شاقة وعلي فترات متباعدة‏,‏ ولكل عضو في العمل الائتلافي مواثيقه وبرامجه الخاصة ولكن وفي نفس الوقت لابد وأن يتفق علي ميثاق وبرنامج الائتلاف‏,‏ والذي لايمكن بدونه أن يتحقق العمل الجماعي وهو بهذه الحالة يجمع بين أعضاء لكل منهم ميثاقه الخاص ولكنهم في نفس الوقت يوافقون علي ميثاق الجماعة أو برنامج الائتلاف‏,‏

ولذلك فليس غريبا أن يقال إن العمل الائتلافي هو أضعف أنواع الحكم‏,‏ إذ إن انسحاب أحد أعضائه من الائتلاف لا يعد فقط نقصا في عدد أعضائه أو شكل الائتلاف ولكنه يسبب في الحقيقة هدم الائتلاف نفسه‏,‏ ولذلك فإن تكوين وبناء النظام الائتلافي أمر في غاية الصعوبة وهذا ما نلمسه من الصعوبات الهائلة التي لاقاها بنيامين نيتانياهو في تكوين حكومته الائتلافية‏,‏ وما نلمسه أيضا وفي نفس الوقت من الصعوبات التي تلاقيها المنظمات الفلسطينية لتكوين حكومة متفق علي أغراضها‏,‏ إذ يتعذر التوفيق بين أغراض الأحزاب المختلفة وبرنامج ائتلافي يتفقون عليه‏,‏ لأن الشيطان يكمن في تفاصيل برنامج الائتلاف الذي يحاول أن يجمع بين أغراض متنافرة يتشكل منه الائتلاف المرغوب فيه‏,‏ تقاس قوته علي مواجهة الأحداث بالممارسة الفعلية مما يحتاج الي أساس قوي يتحمل أعاصير الأحداث ورياحها العاصفة‏..‏

ولذلك فلقد دهشت حقيقة في أثناء الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني للوصول الي مصالحة بين الفئات المتنافرة‏,‏ ان اقتراحا وضع فوق المائدة لتخطي الصعوبات القائمة ينادي بتشكيل حكومة دون تحديد أهدافها وواجباتها‏,‏ ومعني ذلك في حقيقة الأمر تشكيل عمل ائتلافي دون برنامج ائتلافي متفق عليه وهذا أمر مستحيل‏,‏ كان الاقتراح يعطي شعبين لتكوين حكومة بلا دولة بدلا من تكوين دولة تشكل حكومة‏.‏

وعلينا أن نتذكر أن الغرض من الخلاف هو الوصول الي اتفاق‏,‏ فعند مناقشة القضايا لابد من وجود الرأي والرأي الآخر في بداية الحوار‏,‏ ويكون الهدف بعد ذلك هو التقريب بين وجهات النظر‏,‏ فهذا يتنازل عن جزء من آرائه في مقابل تنازلات يقدمها الآخر في حدود ما يسمي بالخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها مما يحتاج الي قدرة حقيقية في التغلب علي هذه الخطوط وإلا استحال الوصول الي اتفاق‏.‏

ونختم بالمبادئ الحيوية الآتية لإدارة الخلافات‏:‏ـ
‏-*‏ الخلاف شيء مؤقت يزول بالحوار الحكيم بين الأطراف المختلفة لأن الغرض من الخلاف هو الوصول الي اتفاق‏.‏

-*‏ السعي الي تحقيق الأغراض الكاملة للأطراف المختلفة أمر لا يعرفه الاتفاق إذ إن الاتفاق يحتم تحقيق الأغراض الناقصة بإرادات ناقصة والأمن المتبادل بين المتحاورين وليس الأمن الكلي لأحد الأطراف‏.‏

-*‏ لا يعرف الحوار اللون الأبيض أو اللون الأسود‏,‏ إذ لايمكن أن يحتكر أحد الأطراف الحقيقية بأكملها ولذلك فإن الخلاف يهدف الي تحقيق اللون الرمادي أي هو مزيج بين اللونين الأبيض والأسود‏.‏

-*‏ لا يجوز أن يتبادل المتحاورون رفع الأسلحة ضد بعضهم البعض إلا اذا وصلوا الي ما كان يسميه مترنيخ بالموقف الثوري الذي لا يحل إلا باستخدام القوات المسلحة‏.‏

-*‏ القتال هو نوع من أنواع الحوار‏,‏ فالحوار يدور بطريقة كلام ـ كلام‏,‏ قتال ـ قتال‏,‏ وحتي في حالة القتال لا يجوز قطع الحوار لأن القتال لا يدور الي ما لا نهاية وكذلك الكلام‏,‏ فنهاية القتال هي الكلام‏,‏ لان الغرض من القتال هو تليين إرادة المتقاتلين للوصول الي واقع سياسي محدد‏.‏

-*‏ الخلاف ليس نقطة نهاية بل هو في واقع الحال نقطة بداية لمزيد من الحوار للوصول الي الحل الوسط‏,‏ فالخلاف لا يعني القطيعة ولكنه مجرد عقبة تعترض الطريق‏.‏

-*‏ من أهم إزالة أسباب الخلاف تقدير ظروف وامكانات الآخر فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها‏.‏

-*‏ ممارسة فن الخلاف أمر صعب جعل أحد رءوساء الولايات المتحدة يقول وهو يمارس الوساطة لحل خلافات بين أطراف متعددة كنت أميل دائما في أثناء محاولاتي أن أضرب رأس أحدهما برأس الآخر ولكن ما باليد حيلة فكان من واجبي الاستمرار في الحوار حتي أزيل الخلاف بالوصول الي الحل الوسط هذا يعطي ويأخذ والآخر يأخذ ويعطي‏.‏
: شــــارك أصـــدقــائـــك

شاركنا علي الفيس بوك

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
Copyright © 2012. طازة - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website Published by Mas Template
Proudly powered by Blogger